محاضرة رئيس مجلس فرع نقابة المهن المالية والمحاسبية بالسويداء


الاقتصاد السياسي في العلاقات الدولية

الزملاء الأعزاء من مشاركة رئيس مجلس فرع نقابة المهن المالية والمحاسبية بالسويداء في دورة الاعداد الحزبي التي تقيمها مدرسة الاعداد الحزبي حيث تم القاء محاضرة بعنوان الاقتصاد السياسي في العلاقات الدولية:
العلاقات الدولية هي أكبر الساحات وأوسع المجالات التي تتلاقى أو تتصادم عليها السياسة بالاقتصاد، لذلك فهي ساحة ومجال الاقتصاد السياسي، ومع أن هناك عناصر عسكرية وأمنية وثقافية واجتماعية تؤثر في العلاقات الدولية، إلا أن العامل الاقتصادي هو العامل الأهم فيها.
تبحث هذه الورقة في دور الاقتصاد السياسي في العلاقات الدولية خاصة في السنوات التي تلت الحرب الباردة ومستقبل ذلك الدور في عالم يبتعد عن القطبية ويتجه نحو التعددية. 
كان مصطلح "الاقتصاد السياسي" يطلق على أعمال الاقتصاديين مثل آدم سميث وجون ستيوارت ميل وديفيد ريكاردو وغيرهما من علماء الاقتصاد الكلاسيكي الذين ظهروا في أوروبا في القرن الثامن عشر، وكانوا يبحثون في مواضيع الثروة والتجارة والأسعار والتشغيل، أي في ذلك الفرع من العلوم الاجتماعية الذي يصف ويحلل إنتاج الثروة وتوزيعها واستهلاكها، وفي القرن العشرين أصبح يعرف اختصارا بعلم الاقتصاد.
غير أن مصطلح "الاقتصاد السياسي" ما زال يستخدم على نطاق واسع في الوقت الحاضر، ويقصد به ذلك الفرع من المعرفة الذي يبحث في العلاقات ببن الأفراد والمجتمع وبين السوق والدولة، ويستخدم أدوات ومناهج تحليل تتصل بعلم الاقتصاد وعلم السياسة وعلم الاجتماع والقانون. أي أنه علم يبحث في علاقة الإنتاج والتجارة بالقانون والأنظمة الحكومية، وكذلك في العلاقة بين الإنتاج والدخول والثروات الوطنية وتوزيعها، كما يبحث في أثر سياسات الحكومة على الأنشطة الاقتصادية، وبعبارة أخرى فإن الاقتصاد السياسي هو ذلك الفرع من فروع المعرفة الذي يبحث في العلاقة بين الثروة والتجارة والقانون والأنظمة الحكومية وأثر ذلك على المجتمع.
يقول Robert Gilpin في كتابه The Political Economy of International Relations : إن الاقتصاد السياسي يعني العلاقة المتبادلة بين "الدولة" و"السوق"، وحسب قوله فإنه لا وجود للاقتصاد السياسي بدون الدولة والسوق، أي "الدولة" من خلال القوانين والأنظمة و"السوق" من خلال آليات العرض والطلب.
ويقع في إطار الاقتصاد السياسي أيضا ما يعرف بالتباين أو عدم المساواة inequality في الدخول والثروات، سواء في داخل كل دولة أو بين الدول، وقد دعا مفكرون كبار من أمثال توماس بكيتي Thomas Piketty وجوزيف ستيغ Joseph Stieglitz إلى إعادة صياغة القوانين والتشريعات التي تسمح وتشجع على اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أو ما يسمى السعي إلى الريع rent seeking الذي تقوم بها القوى المتنفذة وجماعات الضغط لصياغة القوانين والتشريعات بطرق تخدم مصالحها. وفي السنوات الأخيرة بدأ موضوع التباين وعدم العدالة في توزيع الدخول والثروات يأخذ حيزا متزايدا من اهتمامات الدول والمنظمات الدولية.
أدوات الاقتصاد السياسي في العلاقات الدولية -
تقوم العلاقات الاقتصادية الدولية في مرحلة ما بعد الاستعمار والإمبريالية على الاتفاقيات الثنائية التي تبرمها الدول فيما بينها، وكذلك على الاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية التي تنضم إليها كل دولة.
وبالإضافة إلى عضويتها في عدد من المنظمات الاقتصادية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، وكذلك في عدد من المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة الدول المطلة على المحيط الهندي، فإن سلطنة عمان وقعت على اتفاقيات ثنائية تعنى بالعلاقات الاقتصادية مع عدد من الدول، معظمها يندرج تحت عنوان "اتفاقيات تشجيع وحماية الاستثمار" و"اتفاقيات منع الازدواج الضريبي".
وفي المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية نشأ ما يعرف بنظام بريتون وودز Bretton Woods System وذلك بتنسيق وتعاون أمريكي بريطاني كان هدفه خلق نظام اقتصادي عالمي مستقر يخدم مصالح هاتين الدولتين وحلفائهما، وقد تأسس بموجبه كل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة GATT، وحيث إن الاقتصاد الأمريكي أصبح هو الاقتصاد الأقوى في العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية أصبح الدولار الأمريكي هو العملة المهيمنة على الاقتصاد العالمي وتم ربط سعر صرفه بالذهب، واستمر الحال كذلك حتى عام 1971 حين أعلنت أمريكا فك ربط الدولار بالذهب، الأمر الذي هز الثقة بنظام بريتون وودز، أو بالأحرى أدى إلى بداية انهياره. ومع أنه تم فك ربطه بالذهب لكن الدولار الأمريكي لا يزال هو العملة المهيمنة والأكثر تداولا في العالم لكونه عملة الاحتياط لكثير من الدول وبنسبة تصل إلى 62% من إجمالي حجم الاحتياطي من العملات الأجنبية، كما أن الدولار الأمريكي لا يزال يشكل نسبة تزيد على 80% من حجم التبادلات الأجنبية في العالم، حيث إن أكثر الصفقات والتبادل التجاري والاستثمارات تتم بالدولار، وتشير بعض الدراسات إلى أن سوق الصرف الأجنبي بالدولار يتجاوز 6.6 تريليون دولار في اليوم، بما في ذلك بيع وشراء النفط، فيما لا يزال حجم المبادلات بالعملات المنافسة الرئيسية وهي اليورو واليوان الصيني متدنيا، وقد جرت ولا تزال تجري محاولات كثيرة قادتها دول مثل العراق وليبيا وإيران ثم الصين لكسر هيمنة الدولار على تسعير النفط وعلى الاقتصاد العالمي. وخلال السنوات الخمس الماضية تراجع وزن الدولار في سلة العملات التي تقيّم بها الصين عملتها الوطنية، اليوان، ففي حين كان وزن الدولار في تلك السلة 20.5% في عام 2018 تراجع وزنه إلى 17.8% بنهاية عام 2020.
ولم تقتصر محاولات كسر هيمنة الدولار على هذه الدول، بل ظهر من بين أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من يدعو إلى التخلي عن الدولار، ففي أغسطس من عام 2019 وصف رئيس بنك انجلترا، مارك كارني الدولار بأنه "عبث" وأنه يجب استبداله بعملة إلكترونية مكفولة من عدة بلدان، بما فيها الصين.
وفي إطار التجارة الدولية شهد نظام بريتون وودز انكسارا آخر وهو تأسيس منظمة التجارة العالمية WTO في عام 1995 لتحل محل GATT وذلك بعد ظهور فاعلين أقوياء في التجارة والاقتصاد الدولي، وتوسع دور منظمة التجارة العالمية ليشمل تنظيم التجارة في السلع والتجارة في الخدمات، كما فتحت المجال لمناقشة تنظيم المشتريات الحكومية في إطار التجارة الدولية، وتشجع هذه المنظمة الدول على الدخول في اتفاقية ثنائية bilateral أو إقليمية regional تعطي ميزات أكبر مما تعطيه المنظمة، ولذلك أصبح توقيع اتفاقيات ثنائية وإقليمية هدفا تسعى إليه أكثر الدول، وفي ذلك الإطار دخلت السلطنة في اتفاقية تجارة حرة مع أمريكا، كما دخلت في اتفاقيتين أخريين مع كل من سنغافورة ومجموعة التجارة الحرة لأوروبا "إفتا EFTA" في إطار الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون، وما زالت تسعى للوصول إلى اتفاقيات مشابهة مع الصين والاتحاد الأوروبي ودول ومجموعات اقتصادية أخرى.
وبالإضافة إلى ما ذكر أعلاه من منظمات فقد ظهرت منذ النصف الثاني من القرن العشرين عدة منظمات :
مثل منظمة شانغهاي:
تتمحور أهداف المنظمة حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين دول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي. والتعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة
انضمت كل من الهند وباكستان إلى المنظمة كعضوين كاملي العضوية في 9 يونيو 2017 في قمة أستانا
التأسيس