حديث الاربعاء الاقتصادي


الاكتفاء الذاتي

حديث الأربعاء الاقتصادي رقم (155)

(الاكتفاء الذاتي )

تعبر الأسعار عادةً عن حالة العرض والطلب في الأسواق بشكل عام وهذا أمر طبيعي ومفهوم.

أما الذي يستدعي القلق أن الأسعار ترتفع رغم تراجع الطلب وهو المحرك الأساسي عادةً لارتفاع الأسعار وبخاصة في حالة تراجع الدخل والقوة الشرائية فهذا غبر مفهوم , إنه انخفاض العرض من السلع الأساسية والضرورية ولذلك أسباب عديدة .

في زمن مضى كان يُنظر للدول التي تحاول الاكتفاء الذاتي في استهلاكها المحلي بأنها دولة (مغلقة ومتقوقعة) وكان مثالها في مرحلة السبيعنات والثمانينيات دولة (ألبانيا) جنوب أوروبا التي حاولت تجنب الاستيراد والتصدير بشكل كبير والاعتماد على مواردها الذاتية وكانت حينها دولة (شيوعية).

وامام العولمة وانفتاح الأسواق وسهولة عمليات الاستيراد والتصدير والشحن والنقل والتخزين بدأت الدول الاستفادة من شروط و ميزات التكلفة المطلقة التي تؤكد على الدول انتاج المنتجات التي تتمتع فيها بميزة مطلقة وهنا تحدث التجارة الحرة والتقسيم الدولي للعمل وسرعان ما خبا بريق هذه الميزة باتجاه نوع جديد وهو التكلفة النسبية أو المقارنة ومفادها أن على كل دولة التركيز على انتاج المنتجات التي تتمتع فيها بميزة قصوى والقيام بتصدير هذه المنتجات الغير قادرة على انتاجها بتكلفة أو ميزة نسبية.

واليوم انتشرت فكرة أو نظرية الميزة التنافسية والتي تنص على عدم ضرورة امتلاك الميزات النسبية وانما تعتمد عمليات الاستيراد والتصدير على تنافسية الأسعار والجودة والمواصفات دون الحاجة لامتلاك المواد الأولية المستخدمة في الإنتاج اصلا.

مقالة هذا الأسبوع ليست استعراضاً لنظريات التجارة الخارجية التي سيكون لها حديثاً خاصاً ومتفرداً نظراً لأهميتها بل للتأكيد أن العالم يتغير بسرعة وما كان بالأمس صحيحاً واقتصادياً وفعالاً لم يعد اليوم كذلك و جميع عمليات الاستيراد والتصدير كانت تعتمد على قاعدة انخفاض تكاليف الشحن والنقل والطاقة وسهولة الوصول اليها وهذا ما شجع دولاً عديدة للاستغناء عن زراعات وصناعات كانت تتميز بانتاجها بشكل كلي او جزئي مقابل استيراد ما تحتاجه من الخارج وهنا بدأت المشكلة !!!

اليوم وفي ظروف عالمية وسياسية شديدة التعقيد ومنها الحروب والحصار والعقوبات أصبحت نظرية (الاكتفاء الذاتي ما أمكن ) هي التي يجب أن تسود لأن تكاليف شراء السلع من الخارج ونقلها وتخزينها أصبحت في تلك الظروف التي تعاني منها سلاسل الامداد العالمية وما أقلها سوى ارتفاع مشتقات الطاقة بشكل غير مسبوق أصبحت تلك السلع ذات أسعار مرتفعة وتزيد عن أسعار المنتج العالمي سواء الذي يتمتع بميزة مطلقة او نسبية أو التي لا تتمتع بأي ميزات .

ماذا يعني هذا الكلام في النهاية .

انه العودة لاستثمار كل شبر من الارض السورية زراعةً وصناعةً وتحويل سورية لورشة عمل لتأمين معظم الاحتياجات الغذائية والضرورية بصورة محلية واستيراد مالسنا بقادرين على انتاجه بالمطلق وهنا يزداد عرض السلع ونتجه لاقتصاد الوفرة الشديدة التي تعني انخفاضاً في الأسعار وانسياباً للسلع وعدم فقدانها وخلق البدائل المحلية لمنتجات تعودنا على استهلاكها وهي ليست بالأهمية الكافية , وهنا تبدأ معادلة العرض والطلب الذي سيخلق سعرا توازنيا مقبولا

.

دمشق في 9/3/2022.

كتبه: د. عامر خربوطلي

العيادة الاقتصادية السورية