حديث الاربعاء الاقتصادي


العطاء الاجتماعي الاهلي

حديث الأربعاء الاقتصادي رقم (158)

(العطاء الاجتماعي الاهلي )

مصطلح اقتصادي اجتماعي تنموي بدأ ينتشر بشدة في أغلب دوال العالم وهو ينبثق من دوافع العطاء بجميع اشكاله ومسمياته ليكون في خدمة المجتمع والتنمية .

ورغم تسميته الجديدة فإن مضمونه موجود ومتأصل في بلدنا والمتمثل في الجمعيات والمبادرات والاتحادات وحتى الغرف بأنواعها وكم من مشروع خيري ومجتمعي قد ولد من رحم هذه الجمعيات والغرف ومنها المراكز الطبية والمستشفيات ومراكز التدريب المهني ومهرجانات البيع الخيرية وحاضنات الاعمال وغيرها كثير وعديد ولعل مشروع نقل مياه عين الفيجة الى دمشق مطلع القرن العشرين الذي قادته غرفة تجارة دمشق بالتعاون مع أمانة العاصمة آنذاك خير دليل على مشاريع العطاء الاجتماعي الأهلي بالتسمية الحديثة اليوم.وتظهر أعلى تجليات هذه المشاركة الاجتماعية في سورية خلال المناسبات والاعياد وفي مقدمتها شهر رمضان المبارك شهر الخير والعطاء الذي تتنافس فيه الجمعيات والهيئات غير الربحية وغير الحكومية في تقديم أقصى ما يمكن من دعم لضعيفي الدخل وبأشكال متعددة إنه النموذج السوري الفريد من نوعه والذي حمى المجتمع السوري من تداعيات تراجع مستوى المعيشة غير المسبوق والاثر الاجتماعي المقلق وابقاها ضمن الحدود الأخلاقية المضبوطة .

لنعود إلى عنوان الحديث الرئيسي ونفهم بداياته وتطبيقاته العالمية حيث بدأت بعض اشكال التضامن الاجتماعي التي عرفت منذ القدم في عصر قدماء المصريين مع ظهور جمعيات لدفن الموتى , كما أن نظام الأوقاف الذي عرف منذ وقت مبكر نشأ في الأصل في المناطق الحضرية بالمنطقة العربية وفي الوقت الحالي تلجأ كل من المجتمعات الحضرية والريفية الى طرق مختلفة لتعبئة الموارد التي تستخدم في دعم التنمية المحلية وغالباً ما تسعى نماذج التضامن الاجتماعي الموجودة الى تحقيق اهداف محلية هامة

و تتمثل إحدى الملامح الأساسية للعطاء الاجتماعي الأهلي في أنه ينبع أساساً من القاعدة الشعبية ويرتكز على قوة الاستقلالية أفراد المجتمعات المحلية في احداث التغيير, وبهذا يمكن لهذ المجتمعات أن تحدد احتياجاتها وأهدافها ومن ثم تعمل معاً للحصول على الموارد النقدية أو العينية المطلوبة من داخل هذه المجتمعات واستثمارها في خدمة القضايا التي تعنيها.

هناك ملامح أخرى تميز العطاء الاجتماعي الأهلي ومنها المجتمعات المحلية التي تقوم بنفسها بإدارة هذا النشاط ومن ثم لا تنشأ تلك العلاقة التقليدية بين المانح والطرف المستفيد بل يرتكز العطاء الاجتماعي الأهلي أساساً على الملكية المحلية والمساءلة.

ويعتبر العطاء الاجتماعي الأهلي شكل من اشكال العطاء الذي يتسم بالاستدامة والذي حطم الاعتماد على الأطراف المانحة الخارجية وبمرور الوقت قد تقوم مؤسسة العطاء الاجتماعي الأهلي بإنشاء وقف واستخدام عوائد الاستثمار في تلبية الاحتياجات المحلية .

كما توجد أيضا ًفي المنطقة العربية مؤسسات عطاء اجتماعي اهلي رسمية وهناك أمثلة قليلة معروفة لهذه المؤسسات مثل " مؤسسة الملك حسين للسرطان "في الأردن " وقفية المعادي " في مصر , ومؤسسة " دبي العطاء " في الامارات العربية المتحدة وقد أصبحت المؤسسات العطاء الاجتماعي الأهلي بعضاً من نماذج المؤسسات التي تتحول نحو العطاء الاجتماعي الاستراتيجي والمؤسسي وتعرف مؤسسة العطاء الاجتماعي الأهلي المعاصرة بأنها مؤسسة مستقلة غير هادفة للربح تعمل في منطقة جغرافية معينة أو تعمل على مواجهة مشكلة محلية من خلال تعبئة الموارد النقدية أو العينية من عدد الأطراف المانحة المحلية في المجتمع المحلي.

في شتى أنحاء العالم يعمل المواطنون على إنعاش ممارسات العطاء الاجتماعي الأهلي بأساليب تتطور دائما فهم ينشئون ويديرون منظمات جديدة تقوم بجمع الأموال والأصول الأخرى المحلية ومنحها لمجتمعاتهم كما يقومون بوضع برامج تصميم خصيصاً لتتلاءم مع احتياجات هذه المجتمعات ويعملون على تنمية الوعي بالقضايا المحلية.

ومن الملاحظ تضاعف عدد منظمات العطاء الأهلي ففي خلال الفترة بين عامي 2000 و 2010 زاد عدد المنظمات بنسبة ملحوظة بلغت 86% بمتوسط 70 مؤسسة يتم انشاؤها سنوياً وقد تم الاشارة الى عدد من العوامل التي تفسر هذا النمو منها : وجود منظمات تدعم تنمية هذه الممارسات ومرونة الهيكل التنظيمي والتمويل طويل الأجل والتوسع في الجهود التي تسعى الى بناء المجتمع المدني في انحاء العالم.

ما يهمنا في سورية اليوم وليس غداً تعميق هذا النهج والفكر العطائي التنموي الاجتماعي واستنباط الجديد من الأدوات لدى الجمعيات المبادرات والغرف والاتحادات نحو أكبر قدر من المساهمة في التنمية ودعم افراد المجتمع السوري في هذه الظروف الصعبة ......

دمشق في 6/4/2022.

كتبه: د. عامر خربوطلي

العيادة الاقتصادية السورية