حديث الاربعاء الاقتصادي


الزمن الاقتصادي

حديث الاربعاء الاقتصادي رقم /163/ (الزمن الاقتصادي)

من نافلة القول مايتم تداوله دون الخوض في عمق معانيه أن الوقت أو الزمن يوفر المال ولكن المال لايستطيع تأمين الزمن.

والحكمة من هذا الكلام أن المال يأتي ويذهب ويتوسع ويتقلص وقد يختفي ثم يعود أما الزمن فإن ذهب فلن بعود أبداً، ومن هنا انبثقت نظريات اقتصادية تعتمد في تفسيرها للوقت على أنه عامل نادر ومهم جداً يجب استغلاله اقصى استغلال وبخاصة في برامج التنمية والنهوض الاقتصادي حتى اصبحت المقارنة بين الدول بعدد سنوات التطوير والحداثة وليس بالناتج المحلي.

فهل الوقت يتم استثماره بالحد الاقصى والأمثل في الاقتصاد السوري وهل يتم الاستفادة من كل دقيقة وساعة ويوم على صعيد تنفيذ المشروعات وتحقيق التوازنات وتحسين اداء الاقتصاد السوري في الوقت المتبقي من عمر التنمية.

الوقت أهم من المال لأن خسارة الأخير تعوض، لكن خسارة الوقت هي نهائية لأن العمر لا يعود الى الوراء. المعلوم أن القانون الروماني غيَّر المفهوم القانوني للوقت بحيث حوله من دائري الى أفقي أي لا عودة الى الوراء . فالانسان يولد ويتعلم ويعمل ويتزوج وينجب ويشيخ وثم يوارى الثرى .

فالحياة هي خطوات كبيرة مهمة في اتجاه واحد ولا تكرر نفسها . لا يمكن التحليل في الاقتصاد والمال اذا لم يدخل الوقت كعنصر رئيسي في النماذج العلمية المعتمدة . ترتكز كل الدراسات والنماذج الاقتصادية على فرضيات يمكن أن تعدل لتغير في النتائج .

تتغير الأوضاع الاقتصادية الداخلية لأسباب خارجية مفروضة تغير معها النتائج . تقول الاقتصادية البريطانية جون روبنسون (1903 -1983) ان الوقت هو اختراع انساني لجعل الأمور تحدث تدريجيا وبالتتابع .

الوقت، في رأيها، هو أداة لتنظيم المجتمع والعلاقات ومنع الفوضى والاختناق . الوقت أيضا هو أداة لفهم تطور المجتمع في مرحلة زمنية بحيث تتم دراسة التغيرات وأسبابها علميا وبالتتابع . عموماً كلما ارتفعت الفائدة أو معدلات المرابحة في صيغ التمويل الاسلامية على سبيل المثال، كلما حاول المقترض أو المتعامل تسديد الدين بسرعة أكبر. اذا تعثر تسديد الدين يذهب المقترض الى الافلاس وتصفية أصوله لتسديد ما أمكن،

لذا لمواجهة المخاطر المتزايدة وتجنبا للوقوع في خطر الافلاس، يسعى الفرد لجمع بعض الادخار والثروة وتشغيلهما كي لا يأكلهما التضخم الزاحف مع الوقت . عموماً يمكن القول أن الوقت مهم جدا ليس فقط من ناحيتي الفعالية والانتاجية وانما بصورة خاصة للسماح للسياسات الاقتصادية بأن تعطي النتائج المنتظرة .

فالسياسة المالية المرتكزة على تحريك الضرائب والانفاق تؤثر ايجابا على النمو اذا أنفق المواطنون قسما أكبر من دخلهم، واذا تم الانفاق العام على مشاريع بنية تحتية واجتماعية ترفع مستوى الانتاجية . تأثير السياسة النقدية أسرع، اذ إن تحريك الفوائد يؤثر مباشرة في تكلفة الاقتراض والاستثمار وعلى عائد الودائع .

لكن السياستين ضروريتان في نفس الوقت لمحاولة الوصول الى الهدف، أي نمو نوعي خال من التضخم. تختلف قيمة الوقت من مجتمع لآخر تبعا للثقافة والتاريخ ودرجة التطور الاجتماعي . فالوقت ينظم حياة الانسان مهما كان اختصاصه ودوره ويجعله مفيدا للمجتمع .

احترام الوقت أساسي لتحديد العلاقات الانتاجية فيما بين الناس وهنالك مجتمعات تحترم الوقت بل تعرف قيمته أكثر من غيرها.

ما يهمنا بعد هذا الشرح أن الوقت أمر ثمين وغالي ولابد من استغلاله بأكبر قدر ممكن وفي عالم الاعمال يستخدم معيار مدّة استرداد رأس مال المشروع كمحدد لجدوى المشروعات واعتماد الفترة الاقل زمناً وبخاصة عند الشعور بالخطر المستقبلي.

الاقتصاد السوري بحاجة بعد ازمة قاسية مرّ بها ان يتصدر عامل الزمن والوقت أولى أولويات التطوير لتعويض عقد كامل مرَّ دون انجازات اقتصادية وفوات للمنفعة غير مسبوق وتجارب الدول التي مرّت بظروف مشابهة لنا تشير الى إمكانية النهوض السريع والاستفادة القصوى من عوامل النمو والتنمية

دمشق في 1/6/2022 كتبه : د. عامر خربوطلي. العيادة الاقتصادية السورية