أ.ماهر سنجر ......"أزمة معتقدات "..

...
.

أزمة معتقدات  
    
من يتابع المشهد الاقتصادي السوري لا بد له وأن يلمس التحسن الكبير الذي أصاب بيئة الأعمال والذي ترافق مع انتصارات الجيش العربي السوري وعندما نقول بيئة الأعمال لا بد للقارئ أن يذهب بتفكيره إلى مجموعة من التحليلات الاقتصادية التي تتكون من مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية حيث كان هم القائمين على إدارة هذه الشركات هو العوامل الخارجية متغافلين إلى حد ما العوامل الداخلية والتي انعكست لدى بعض الشركات على أشكال مختلفة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: دوران عالي للعمال لصالح الشركات المنافسة أو على شكل فجوة بالقدرة على استقطاب عاملين جدد أو عدم التركيز على جودة المنتج أو غياب دور التسويق والمبيعات...إلخ.

لكن يبقى السؤال الأهم: من استفاد من هذا الدرس وكيف سيتم التعامل مع المتغيرات على بيئة الأعمال وخاصة مع التوقعات بالانفتاح الكبير للأسواق السورية وازدياد الطلب بشكل تدريجي في العام 2019 كما هو متوقع؟ وهل سيكون العزف منفرداً في أي قطاع كما كان سابقاً؟ أم أن التوجه إلى التحالفات والشراكات سيكون التوجه الرئيسي مما سيجعل فرضية استمرارية البقاء والسيطرة على الأسواق قائمة؟

من وجهة نظر شخصية ستكون استراتيجيات الشركات في الفترة القادمة موضع اختبار حقيقي فمن يتبع استراتيجية السيطرة سيكون موضوع اختبار من ناحية قدرته على البقاء كمسيطر ومن ناحية قدرته على تأمين الموارد المناسبة والكافية (الموارد المالية وغيرها) ومن يتبع استراتيجية اختبار الأسواق فالتغيرات سريعة جداً لدرجة لن تسمح معها بفترة زمنية طويلة من الاختبار، فاليوم لا مكان لنظرية التجربة والفشل في الأعمال لكن هناك مكان للشركات المستعدة للتغير في الطلب المترافق مع الانخفاض الحالي بحجم الاستثمارات وبالتالي فمن المنطقي استمرار التضخم لفترة لا بأس بها والذي سينعكس على كلف المواد الأولية والعمالة وبالتالي تكاليف المنتج المحلي.

فاليوم لا بد لرجال الأعمال السوريين الاستفادة من فهم المتغيرات بشكل سريع لما في ذلك من أثر في فهم لطبيعة المتغيرات الجديدة ولطبيعة أثرها الذي قد ينقسم بين أزمة وبين فرصة، فالفرصة واجبة الاستثمار لكن كيف مع شركات قد أنهك البعض منها نتيجة الأزمة التي مرت بها، أما الأزمة فواجب التنبؤ بها ومعرفتها والأخطر من ذلك ما نطلق عليه أزمة المعتقدات لدى رجال الأعمال حيث تفعل هذه المعتقدات الاقتصادية فعلها كحاجز يمنع رجل الأعمال معها من استثمار الفرص المستقبلية أو التنبؤ بالأزمة التي ستصيب عمله.
ما زال اليوم بعض رجل الأعمال يرون الأمور بنفس المنظور (المعتقد القديم) التي كانت الأعمال تسير وفقاً له رغم ظهور تجمعات وتحالفات (شراكات) منها ما هو معلن ومنها ما هو خفي، فاليوم باتت الشركات التي تعزف منفردة أضعف مع تزايد عدد الشركات القادرة على استقطاب التمويل اللازم ودفع الكلف اللازمة للموارد البشرية وبناء التحالفات التي تتخطى حدود الدولة أحياناً.

فالشراكة غير المعلنة يقف خلفها شركاء غير معلنين كالشركات والمؤسسات المالية الراغبة بالتمويل والعمل في الجمهورية العربية السورية لكن ما يمنعها هو حجم العقوبات المفروضة وأثرها على أعمال هذه الشركات في الموطن الأصلي لها أو في الدول المحابية لموضوع العقوبات. فقد حان الوقت لرسم استراتيجية جديدة للشركات لا تعتبر أن الأزمة الحالية للشركات هي مجرد حالة مؤقتة أو استثنائية والدور الأول في رسم هذه الاستراتيجية يقع على عاتق رجال الأعمال.

 يتوجب بناء هذه الاستراتيجية بتقنيات جديدة فأبسط مثال اليوم يمكن للجميع أن يلمسه هو مطالبة مندوب المبيعات بوضع توقع مستقبلي يقارب أرض الواقع فسنصل إلى نموذج غير دقيق وعلى الرغم من ذلك لم نغير تقنياتنا المستخدمة في التفكير مما يعني محافظة على معتقد قديم ينص على نجاح نفس الطرق المستخدمة سابقاً في عملية تقدير حجم المبيعات المستقبلية.

إن أزمة المعتقدات الاقتصادية لدى رجال الأعمال قد تتعارض مع النظام الاقتصادي التي ستفرضه مرحلة إعادة الإعمار وخاصة مع مجتمع لا يمكن الحكم فيه على سلوك المستهلك أي بمعنى أخر إنفاق المستهلك غير منظم فتارة تراه إنفاق ترفي رغم قلة الحال لدى الفرد وتارةً تراه إنفاق يشابه انفاق من هم على خط الفقر مما سيزيد من حدة الأزمة لدى الشركات العاملة، ناهيك عن التحالفات العالمية الاقتصادية (اليابان والصين حالياً) والحروب الاقتصادية وأحادية دول أخرى مثل الولايات المتحدة وأثرها على الاقتصاد العالمي وبالتالي على أسعار صرف العملات وأسعار النفط (حرب العملات والطاقة).

لا بد من تجاوز حاجز المعتقدات الاقتصادية القديمة لرجال الأعمال السورين والبحث عمن يضع استراتيجيات بتقنيات تنفيذية خارجة عن نطاق صندوق المعتقدات القديم، فهل سنلمس ذلك أم لا؟

ماهر سنجر