دور القطاع المصرفي الاقتصادية

...
علي محمود محمد

مساهمة المصارف السورية في تمويل إعادة إعمار سورية

ما هو المطلوب من المصارف السورية ومن الحكومة في العام 2019

 

مقدمة

يعد النظام المصرفي بمثابة الجهاز العصبي للاقتصاد وأداة هامة في التنمية الاقتصادية وصولاً لتحقيق نمو واستقرار النشاط الاقتصادي، وتاتي هذه الاهمية من الدور الذي تلعبه المصارف في تعبئة المدخرات وتوجيهها عبر قنوات استثمارية في كافة المجالات التي يحتاجها الاقتصاد الوطني وبالأخص من خلال منح التمويلات والتسهيلات الائتمانية للمستثمرين ورجال الأعمال بغية تشغيل ودعم استثماراتهم ومعاملهم بما يتوافق مع خطط التنمية الاقتصادية والتي تصب نهايةً في دعم الاقتصاد الوطني، ومن ذلك يمكن القول إن أي تنمية اقتصادية تتطلب جذب أكبر قدر من المدخرات وضبطها في الأقنية المصرفية الرسمية ليُصار إلى استخدامها في تمويل التنمية من جهة، واستهدافها بدقة من قبل السلطات النقدية عند رسم السياسات النقدية والاقتصادية للبلد بأهداف عنوانها العريض "تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة النمو" من جهة أخرى.

 

 

تكلفة إعادة الإعمار بلغة الأرقام

مع دخولنا العام 2019 وتطور المشهد السوري بعد حرب استمرت زهاء 8 سنوات وما خلفته من دمار وخراب للبنى التحتية وللمرافق الاقتصادية كافة من بنى تحتية ومعامل ومصانع وأراض زراعية وقطع بعض خطوط المواصلات الرئيسية بين المحافظات، ها قد بدأت ملامح الاستقرار الامني تترسخ في سورية خاصة بعد تحرير حلب مطلع العام 2017 والغوطة في ربيع العام 2018، وأضحى لحديث إعادة الإعمار صدىً واضحاً عالمياً ومحلياً مفاده بان الفترة المقبلة هي مرحلة إعادة إعمار سورية على جميع الصعد "بنى تحتية، مرافق انتاج، مؤسسات، إقلاع الانتاج والتصدير، الخ".

فمنذ مطلع العام 2016 بدأت تقديرات تكلفة إعادة إعمار سورية بالظهور من قبل المؤسسات العالمية المختلفة ولا سيما البنك الدولي والذي قدرها آنذاك ب 226 مليار دولار، ومع استمرار الازمة ظهرت العديد من التقديرات الاخرى والتي تركت الهامش بين ادنى وأعلى رقم للتكلفة واسعاً، إلى ان جاء تقدير الرقم من قبل السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد في معرض لقائه مع برلمانيين روس بتاريخ 16/04/2018 والذي قدر حجم الاموال اللازمة لإعادة إعمار البنى التحتية بنحو 400 مليار دولار وأن إعادة الإعمار تحتاج فترة زمنية بين 10 إلى 15 عام، وهذا ما أيده تقرير للاسكوا في آب من العام الماضي 2018 والذي قدر فيها التكلفة بنحو 388 مليار دولار.

 

 

 

سيولة المصارف السورية بلغة الأرقام

تفاوت أداء المصارف السورية خلال ال 8 سنوات الماضية تبعاً لعدة عوامل اهمها توقف العملية الانتاجية وقرار المصرف المركزي بإيقاف منح القروض والتسهيلات الائتمانية مروراً بتقلبات سعر صرف الليرة السورية وانخفاضه من نحو 48 ليرة لكل دولار في بداية العام 2011 ليصل لنحو 500 ليرة في السوق السوداء نهاية العام 2018، هذا السعر عرف خضات عديدة خلال هذه السنوات كما شهد استقراراً أيضاً في بعض الفترات، وبالتالي فإن الاطلاع على أرقام القطاع المصرفي بنهاية الربع الثالث من العام الجاري 2018 تعتبر ذات أهمية لكونها احدث بيانات متوفرة عن القطاع الخاص على الأقل من ناحية، ولكون هذه الأرقام تعكس التحسن الذي طرأ على هذه الأرقام خلال 9 أشهر من استقرار عام شهدته سورية على مختلف الصعد ومنها استقرار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي والذي أدى إلى عدم وجود أرباح غير محققة ناتجة عن تقييم مركز القطع البنيوي في أغلب المصارف الخاصة.

ففي التصريحات، كان السيد وزير المالية مأمون حمدان قد صرح في منتصف العام الماضي 2018 بان حجم السيولة في المصارف السورية تقدر بنحو 1,500 مليار ليرة سورية، وهذا يتطابق نوعاً ما مع ما تظهره البيانات المالية، حيث تظهر أرقام الربع الثالث من العام 2018 أن حجم ودائع الزبائن لدى المصارف الخاصة (11 تقليدي، 3 إسلامي) قد بلغ 1,004 مليار ليرة سورية (797 مليار ليرة في المصارف التقليدية و 207 مليار ليرة سورية في المصارف الإسلامية) مرتفعةً بنسبة 16% عما كانت عليه في بداية العام 2018 والتي بلغت حينها 865 مليار ليرة سورية، أما في المصارف العامة الستة فلا تتوفر لدينا بيانات سوى المنشورة في المجموعة الإحصائية للعام 2016 والتي تقدر حجم ودائع المصارف العامة بحوالي 1,380 مليار ليرة سورية، وبالتالي فحجم الودائع بناء على هذه المعطيات يقدر بحوالي 2,384 مليار ليرة سورية، ومع اقتطاع نسبة السيولة المفروضة بموجب القرارات ذات الصلة (30% بكافة العملات) فإن فائض السيولة المتاح لا يتعدى 1,670 مليار ليرة سورية، وإذا خصمنا من هذا الفائض صافي حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة بالفعل من المصارف الخاصة الآن والتي تبلغ بنهاية الربع الثالث 2018 بحوالي 333 مليار ليرة سورية، فإن هذا الفائض من السيولة يبلغ 1,337 مليار ليرة سورية وهو يعادل نحو 3.08 مليار دولار بناءً على سعر الصرف الرسمي 434، وطبعاً لا ننسى بأن هذه الودائع في جلها هي ودائع قصيرة الأجل ولا تتناسب مع متطلبات التمويل لاعادة الإعمار والذي يتطلب تمويلاً طويل الأجل، وأيضاً هذا الرقم يجب ان يطرح منه كذلك صافي تسهيلات المصارف العامة والتي لا تتوفر لنا.

اما إذا أردنا ان نعيد هذا الحساب باحتساب بند ودائع المصارف ضمن فائض السيولة فالنتيجة ستكون بأن إجمالي بند ودائع المصارف لدى كافة المصارف الخاصة بحدود 354 مليار ليرة سورية، وبالتالي ففائض السيولة هو 1,583 مليار ليرة سورية وهو ما يعادل 3.6 مليار دولار بناءً على سعر الصرف الرسمي 434.

وبالتالي لدى حساب نسبة مساهمة القطاع المصرفي من تكلفة إعادة الإعمار نجد انها لا تتعدى نسبة 0.77% إلى 0.91% من التكلفة الكلية، وبالتالي فتحميل القطاع المصرفي الآن وزر إعادة الإعمار والتعويل عليه بواقعه الراهن هو أمر مبالغ فيه جدا في ظل هذه النتائج التي تم سوقها آنفاً.

 

 

دور المصارف السورية في مرحلة إعادة الإعمار

تزداد الحاجة إلى نظام مصرفي أكثر فعالية وقوة في المرحلة المقبلة لا سيما أن اعباء هذه المرحلة كبيرة وتتطلب تضافر كافة الجهود، فالحكومة ووزاراتها مطالبة باستنفار كافة طاقاتها لذلك خاصة فيما يتعلق بسياسة واستراتيجية الحكومة المالية، كما أن على المصرف المركزي التابع لرئاسة مجلس الوزراء مهام جسيمة خلال الفترة المقبلة وعلى الاخص فيما يتعلق برسم دقيق لاسترتيجيته النقدية خلال مرحلة تتطلب تدفق كبير لرؤوس الاموال المحلية والخارجية سوريةً كانت أم أجنبية، وهذه الحالة تفرض الضبط والمراقبة الحثيثة من قبل المصرف المركزي على كافة العوامل المؤثرة بالمتغيرات النقدية وذلك بغية تحقيق الأهداف النقدية التي يسعى لرسمها ((طبعاً هناك من يقول بأنه يتوجب أن تحمّل تكلفة إعادة الإعمار للدول التي شاركت واعلنت الحرب على سورية)، ومهما كانت السياسات والاستراتيجيات خلال الفترة المقبلة فإن المصارف السورية ستكون بوابةً لتسهيل تنفيذ هذه الرؤى وهذا ما نود الإضاءة عليه من خلال الدور الذي يفترض أن تقوم به المصارف السورية في مرحلة إعادة الإعمار كما يلي:

1_ انطلاقاً من اهمية الجهاز المصرفي بكونه وسيط مالي موثوق، يتوجب أن يستخدم خبرته في التحليل الائتماني الدقيق للشركات الاستثمارية والانتاجية التي ستعمل في المرحلة المقبلة وان يكون تحليلاً ائتمانياً دقيقاً موضحاً لنقاط قوة وضعف كل منها وأهمية منحها التمويل المطلوب من عدمه وذلك بناءً على شروط وقيود مصرف سورية المركزي في هذا الخصوص، مع وضع التوصيات المناسبة لكل حالة على حدا.

2_ إن علاقات المصارف السورية الدولية سيكون لها الدور الاكبر في المرحلة المقبلة فور رفع العقوبات الدولية عليها وذلك كونها القناة الصحيحة والوحيدة الملتزمة بالقوانين والمتطلبات العالمية لا سيما قانون فاتكا وقوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا الدور سيتمثل بقبول التحويلات النقدية إلى سورية سواء للأفراد أو للشركات التي ستعمل في السوق السورية مما يمكن من توفير قناة تحويل مهمة وضرورية في المرحلة المقبلة وبما يسهل كافة وسائل الدفع والتقاص وتوفير السيولة اللازمة.

3_ العمل على تقليل معدل الكثافة المصرفية حيث إن المرحلة المقبلة وتشجيع الاستثمار فيها يتطلب وجود جهاز مصرفي قوي متفرع قادر على تعبئة وجذب المدخرات المحلية بمختلف أشكالها (حسابات جارية، توفير، ودائع قصيرة وطويلة الاجل)، فالواقع الراهن يشير إلى أن عدد فروع المصارف السورية العامة والخاصة قد يتعدى ال 500 فرع بقليل وهذا العدد يعني أن معدل الكثافة المصرفية يبلغ حوالي 34 ألف، أي أنه لكل 34 ألف مواطن سورية يوجد فرع مصرفي وحيد وذلك على اعتبار أن عدد سكان سورية حالياً يبلغ حوالي 17 مليون نسمة، أما بالعودة لنهاية العام 2011 فقد بلغت الكثافة المصرفية حينها ما يقارب 40 ألف نسمة لكل فرع مصرفي واحد حيث كان التعداد العام حوالي 23 مليون نسمة، وكلا الرقمين يعتبر مرتفع إذا ما قورن بمثليه في الدول المجاورة، ويدل على أن المصارف السورية لا تنتشر بالشكل المطلوب الذي يضمن وصول الخدمات والمنتجات المصرفية إلى أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع السوري، وفي هذا السياق فلا بد من تشجيع افتتاح فروع مصرفية في المناطق الصناعية كافة لما تعانيه من فقر بالفروع المصرفية.

4_ إن الرقم الذي يتداوله بعض الاقتصاديين والاكاديميين حول حجم العرض النقدي هو 8 تريليون ليرة سورية، ومن خلال التحليل في فقرة (سيولة المصارف) حول حجم السيولة لدى المصارف نجد ان الفجوة كبيرة جداً بين حجم العرض النقدي المفترض وبين حجم سيولة المصارف السورية، وهذا يعني أن حجم السيولة في السوق والمخبأة في الأدراج والخزائن الخاصة بعيداً عن الأقنية المصرفية تقارب 5.5 تريليون ليرة سورية وهذا الرقم يعتبر هائل إذ يشكل ما نسبته 68% من حجم العرض النقدي، وهذا يزيد من عبء المهمة الملقاة على عاتق المصارف العاملة في السوق السورية وعلى مصرف سورية المركزي حيث يتوجب العمل الحثيث على تشجيع الادخار من قبل كافة المواطنين وكافة الفعاليات الاقتصادية في سورية وجذب جزء كبير من الأموال المكتنزة والمجمدة خارج القطاع المصرفي وإدخالها في الدورة الاقتصادية لتسهم في عملية التنمية الاقتصادية، إضافةً إلى جذب الاموال السورية ببالخارج والتي تقدر حسب بعض مراكز الأبحاث بنحو 25 مليار دولار، وعند تحقق ذلك "أي زيادة إيداع المدخرات" ستزداد الاموال المتاحة للإقراض مما يساعد المصرف المركزي في تعديل وتطوير خطته التسليفية للمصارف العاملة، وربما هذا ما كان يعمل عليه المصرف المركزي عند إصداره للقرارين 28 و52 مطلع العام 2017 واللذان يتضمنان ضوابط منح التسليفات الائتمانية "ومنها شرط رصيد المكوث" الذي يحقق هذا الغاية.

5_ يتوجب خلال العام 2019 استكمال ما بدأته المصارف منذ منتصف العام 2017 تقريباً بمعالجة ملف القروض المتعثرة والتي ووفق الرقم الذي صرحت به رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 20/11/2017 بانه حوالي 286 مليار ليرة سورية بعد تحصيل 77 مليار ليرة سورية حينها، وبالتالي فمن الاهمية بمكان استكمال معالجة هذا الملف من قبل كافة المصارف العاملة ومن قبل مصرف سورية المركزي.

6_ يعتبر تمويل عمليات الاستيراد من الأدوار المهمة التي تقع على عاتق المصارف العاملة في السوق السورية وذلك من خلال تقديم التسهيلات للمستوردين التي قد تسهم في تخفيض تكلفة عمليات الاستيراد، فبناءً على آخر إحصائية قدمتها رئاسة مجلس الوزراء تبين أن قيمة إجازات الاستيراد الممنوحة خلال 4 اعوام من عام 2015 لغاية 2018 بلغ 1,994 مليون يورو، وأوضح التقرير بأن المواد الغذائية الأساسية استحوذت على نسبة لا تقل عن 10% من إجمالي كل عام، كما ظهر أن نسبة المواد الغذائية كانت 18% من إجمالي مبلغ اجازات الاستيراد في العام 2015 لتنخفض إلى 10.3% في العام 2018 نتيجة لعودة العديد من المنشآت الصناعية للعمل بعدما كانت متوقفة، وانطلاقاً من هذه الارقام ومع المرحلة المقبلة والتي ستشهد ضغطاً كبيراً على منح اجازات الاستيراد لتمويل مرحلة إعادة الإعمار فقد نشهد تضاعف هذا الرقم من مبالغ الاجازات أضعافاً كثيرة وهذا يعني عملاً إضافياً على المصارف لتنسيق وتمويل هذه العمليات من الالف إلى الياء.

7_ إن المصارف العامة تستحوذ على النسبة الأكبر من التعاملات المصرفية فهي ركيزة الدولة مالياً خاصة منذ تأميم المصارف عام 1966 لغاية العام 2004 وكانت طيلة ذلك الوقت تستأثر بوظيفة قبول الايداعات ومنح القروض، إلا انها لم تتوسع باستثناء المصرف التجاري السوري والذي تمت زيادة رأسماله من 4 مليار ليرة سورية إلى 70 مليار ليرة سورية قبل الأزمة، لذا وانطلاقاً من ذلك يتوجب على المصارف العامة ووزارة المالية التفكير جدياً بتطوير القطاع المصرفي العام لما له من حصة سوقية كبيرة وباعتباره ركيزة الدولة المالية، وهذا التطوير يبدأ من بيئة العمل مروراً بالقرارات والقيود الإدارية والروتينية وانتهاءً بنظام الحوكمة في هذه المصارف.

8_ إن المرحلة المقبلة هي مرحلة حساسة في تاريخ الاقتصاد السوري بشكل خاص وبتاريخ سورية عامة، لذلك من واجب المصارف العاملة في سورية إيلاء متطلبات العمل المصرفي والممارسات المصرفية العالمية المثلى الاهتمام الكافي والواجب وتطبيق كل السياسات الحصيفة وإجراءات الضبط الداخلي وجميع متطلبات برامج مكافحة غسيل الاموال وتمويل الإرهاب والتي من شأنها حماية العمل المصرفي وعدم تعرضه لاي أزمة كانت.

 

 

 

دور المصرف المركزي والحكومة في مرحلة إعادة الإعمار

إن ااتساع حدود التنمية الاقتصادية تتطلب ازدياد الاهتمام بالقطاع المصرفي فكيف ونحن مقبلون على مرحلة إعادة الإعمار وما تحمله من افتتاح استثمارات جديدة قد تكون انطلاقة التعافي الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي لسورية، فلا يمكن لإعادة الإعمار ولعملية التنمية الاقتصادية أن تتطور وتتقدم دون وجود الأموال اللازمة لها والتي كما ذكرنا بفقرة (سيولة المصارف) فإنه لا يمكن التعويل على فائض السيولة لدى المصارف السورية، وانطلاقاً من ذلك يمكن تحديد دور الحكومة والمصرف المركزي ببعض النقاط التالية:

1_ العمل بكافة الوسائل المتاحة على تعميق الثقافة المصرفية لدى المجتمع السوري سواء من خلال التعليمات النقدية والمالية او من خلال الإعلام والبرامج التلفزيونية، وحث الجميع على فتح حسابات مصرفية لدى فروع المصارف العاملة والانتقال بشكل جدي من ثقافة الكاش إلى ثقافة الايداع، بما يقود في النهاية إلى اعتياد الجمهور على التعامل مع المصارف بالصورة المطلوبة مما يساهم في زيادة فاعلية الأوعية الادخارية المطروحة من قبل المصارف مع تطور الخدمات المصرفية المقدمة.

2_ إيلاء الأهمية الكبرى لتقسيم القطاعات الاقتصادية بعناية ودراسة تأثير وحجم مساهمة كل من هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي ليُصار إلى رسم السياسة التسليفية بناء على القطاعات الأكثر ضرورة للاقتصاد السوري خلال ال5 سنوات المقبلة، فلا يجوز معاملة كل القطاعات بنفس المعاملة، فللقطاع الزراعي خصوصية تختلف عن التجاري والصناعي، كما للقطاع الصناعي في هذه الفترة اهمية بالغة لما يسهم فيه من قيم مضافة، وفي هذا الصدد يتوجب على الحكومة تحقيق التكامل بين التنمية القطاعية والتنمية الاقليمية تمهيداً لتحقيق برامج تنموية على مساحة الخارطة السورية، كما أن خطوة مجلس الوزراء بتاريخ 20/12/2018 بإعداد قائمة من 27 مادة ضمن برنامج إحلال المستوردات هي خطوة إيجابية وينتظر أن تتم دراستها بدقة، ومن خلال ذلك قد يقوم المصرف المركزي بتوجيه المصارف لتسليف قطاع هذه المواد لما فيه خير على الاقتصاد الوطني وتوفيراً من فاتورة الاستيراد المرهقة.

3_ التركيز على تصنيف المعامل والمصانع المتضررة من جراء الحرب حسب درجة ضررها، فمنح قروض وتسهيلات لترميم بعضها له من الاهمية الكثير ويحب أن توجه إليه حصة من مخصص تمويل اعادة الاعمار المدرجة في الموازنة العامة.

4_ إن من صفات الاقتصاد السوري هو هيمنة المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، وهذه المشاريع تعتبر رافعة الانتاج بشكل او بآخر، كما ان لها دور هام في توفير فرص العمل وتخفيف البطالة، لذا فمن المهم ان يتوجه المصرف المركزي في خطته التسليفية لهذا المشاريع وإيلائها الأهمية الكبرى وذلك نظراً لحجم تمويلها المنخفض وسرعة إقلاعها في الانتاج مقارنة بالمعامل الكبيرة التي قد تتطلب وقتاً طويلاً، وهذا بالطبع يتطلب تفعيل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وقد يتم ربطها بصندوق استثماري مثلاً.

5_ إن اكثر ما ينجح عمل القطاعات الاقتصادية والخدمية "ومنها المصارف" هو ثبات القرارات والتعاميم الصادرة عن الجهات الوصائية والرقابية والتنفيذية، فثبات التشريع من اهم متطلبات الاستثمار المحلي والأجنبي كما أنه من متطلبات استمرار عمل المصارف بزخم عالي المستوى.

6_ يتوجب على الحكومة والمصرف المركزي العمل على إصدار العديد من التشريعات الجديدة التي تسهم في إعطاء حرية اكبر للمصارف العاملة للقيام بدورها بالشكل الامثل، وربما كان صدور القرار رقم 172/ من تاريخ 22/11/2018 مقدمةً لغعطاء هذه الحرية للمصارف إلا أنه نسف فكرة رصيد المكوث والتي كانت ربما قابلة للتطبيق في مرحلة أخرى مقبلة.

7_ بات من الضروري في المرحلة المقبلة تأسيس جمعية للمصارف تضم كافة المصارف العامة والخاصة، وحصر مهمة هذه الجمعية بإجراء الدراسات الوافية لكل قرار متوقع أو موجود، مع إجراء الدراسات الدقيقة للقطاعات الاقتصادية ونسب التسليف والودائع وكل ماله علاقة بالقطاع المصرفي، مع جمع مطالب ومقترحات المصارف المتعلقة بتطوير العمل المصرفي بشكل خاص وتلك المتعلقة بالتنمية الاقتصادية بشكل عام ليُصار إلى رفعها للجهات الوصائية والرقابية والتنفيذية للاستئناس والعمل بها.

8_ إن سعر الفائدة من أدوات السياسة النقدية والتي تم تعديلها مؤخراً بالقرار رقم 91 /م ن الصادر بشهر آب 2018، إلا ان أي تغيير بسعر الفائدة الدائنة يبقى تأثيره محدود جداً على حجم الإيداعات لدى المصارف السورية وذلك بسبب ارتفاع معدل تضخم أكثر من سعر الفائدة مما يجعل القيمة الحقيقية (وهي الفرق بين سعر الفائدة ومعدل التضخم) قيمة سالبة، لذا على المصرف المركزي والحكومة تضافر الجهود للحد من ارتفاع معدل التضخم وضبط المستوى العام للأسعار.

9_ العمل على ضبط سعر صرف الليرة السورية وتبني نظام سعر الصرف "العائم المدار" بحيث يتمكن راسمي السياسة النقدية من تحديد اهداف الاستراتيجية النقدية بدقة وبان تكون قابلة للتطبيق، كما ان ذلك يسهم في استقرار العمل المصرفي.

10_ على الحكومة أن تسعى جاهدة في المحافل الدولية لرفع العقوبات الظالمة عن سورية وعن القطاع المصرفي أيضاً نظراً لأهمية ذلك الكبيرة على البلد عامة وعلى فعالية وسرعة فترة إعادة الإعمار ثانياً.

11_ تعرض القطاع المصرفي السوري خلال 8 سنوات لواقع ثقيل وصعب ابتداءً بالشائعات وهلع المودعين وتعثر المقترضين، مروراً بانقطاع أبسط متطلبات استمرارية العمل المصرفي من خطوط اتصال وكهرباء ومازوت، وانقطاع عن العالم الخارجي بفعل العقوبات الدولية، انتهاءً بهجرة الكفاءات السورية، وما رافق ذلك من بعض حالات السرقة والاحتيال والتخريب في بعض المحافظات، ومع كل ذلك بقي القطاع المصرفي بجناحيه العام والخاص يقدم خدماته لجمهوره بالحد الأدنى الذي يسمح به الوضع العام ولم تنقطع خدماته ولم يتوقف المصرف المركزي عن ممارسة دوره الرقابي والإشرافي واستمرت جولات فرقه وموظفيه الرقابية والتفتيشية تعمل وكأن الحرب لم تمر من هنا، وهذه نقطة مضيئة في تاريخ الصناعة المصرفية السورية ونقطة بيضاء في ملف المصارف العامة والخاصة والمصرف المركزي، وهذا يدعو من جديد إلى إيلاء هذه المصارف كل العناية المطلوبة من قبل الحكومة وأجهزتها.

12_ إن مطلب رفع الرواتب والاجور هو مطلب شعبي في سورية نظراً لارتفاع المتطلبات المعيشية ولحالة التضخم التي يعاني منها الاقتصاد، ولكن لرواتب وأجور العاملين في القطاع العام المصرفي حكاية اخرى، فمن الضروري العمل على رفعها وربطها بنظام حوافز دقيق وعادل وشفاف.

 

 

بانوراما قرارات العام 2018:

1_ القرار رقم 10758/16/ص الصادر بتاريخ 28/12/2017 عن مفوضية الحكومة لدى المصارف والقاضي بالتريث بتطبيق معيار المحاسبة الدولي رقم 29 الخاص بالاقتصاديات ذات التضخم المرتفع.

2_ القرار رقم 7/ل أ تاريخ 03/01/2018 والذي ينظم عمليات التصريف للحوالات الواردة من الخارج والقاضي بان تسلم للشخص الطبيعي والاعتباري قيمة الحوالة الواردة من الخارج (الحوالة التي تبلغ قيمتها 5000 دولار وما دون يتم تصريفها بالليرات السورية، اما الحوالة التي تتجاوز 5000 دولار يتم قبضها حسب رغبة المستفيد إما بذات العملة أو بالليرات السورية).

3_ القرار رقم 99/ل أ تاريخ 21/01/2018 والخاص بالتريث في منح قروض وتمويلات لأغراض شراء السيارات.

4_ القرار رقم 1927 /16 تاريخ 14/03/2018 والقاضي باستكمال الإجراءات الداخلية المنفذة تجاه تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 ومعيار المحاسبة الإسلامي رقم 30.

5_ القرار رقم 94/م ن تاريخ 09/07/2018 والمتضمن الموافقة على قواعد وضوابط العمل في خدمة الدفع والتحصيل الالكتروني.

6_ القرار رقم 110/م ن تاريخ 02/08/2018 والقاضي بالسماح للمصارف بتوظيف فائض القطع الأجنبي المتوفر لديها عن طريق إيداعه لدى مصرف سورية المركزي في حسابات ودائع لأجل والذي حددت آليته بالقرار رقم 1244/ل أ تاريخ 12/09/2018 والمعدل بموجب القرار 1466/12/ص تاريخ 22/11/2018.

7_ القرار رقم 102/م ن تاريخ 22/07/2018 والخاص بنظام شهادات الإيداع التقليدية بالعملات الأجنبية.

8_ القرار رقم 91 / م ن تاريخ آب 2018 والمتضمن تغيير معدلات الفائدة على الودائع بالليرات السورية والتي أضحت (7% للودائع لأجل شهر، 10% على شهادات الاستثمار، الفوائد على ودائع التوفير تعطى نفس الفوائد الممنوحة على الودائع لأجل 6 شهور).

9_ القرار رقم 172/ م ن تاريخ 22/11/2018 والذي أنهى بموجبه قرارات مجلس النقد والتسليف رقم 28/م ن تاريخ 25/01/2017 والخاص بضوابط منح التسهيلات الائتمانية على شكل حساب جاري مدين، والقرار رقم 52/م ن تاريخ 11/04/2017 والمتضمن ضوابط منح التسهيلات الائتمانية بالليرات السورية.